الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (24- 52): {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً} أكلاً هنيئاً لا مكروه فيهما ولا أذى أو هنئتم هنيئاً على المصدر {بِمَا أَسْلَفْتُمْ} بما قدمتم من الأعمال الصالحة {فِى الأيام الخالية} الماضية من أيام الدنيا. وعن ابن عباس: هي في الصائمين أي كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُوتَ كتابيه} لما يرى فيها من الفضائح {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} أي يا ليتني لم أعلم ما حسابي {ياليتها} يا ليت الموتة التي متها {كَانَتِ القاضية} أي القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما ألقي {مَا أغنى عَنِّى مَالِيَهْ} أي لم ينفعني ما جمعته في الدنيا، ف (ما) نفي والمفعول محذوف أي شيئاً {هَلَكَ عَنّى سلطانيه} ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ضلت عني حجتي أي بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا فيقول الله تعالى لخزنة جهنم {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي اجمعوا يديه إلى عنقه {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} أي أدخلوه يعني ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى، أو نصب {الجحيم} بفعل يفسره {صَلُّوهُ} {ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا} طولها {سَبْعُونَ ذِرَاعاً} بذراع الملك. عن ابن جريج: وقيل لا يعرف قدرها إلا الله {فَاْسْلُكُوهُ} فأدخلوه. والمعنى في تقدم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية. {إِنَّهُ} تعليل كأنه قيل: ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بأنه {كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم * وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} على بذل طعام المسكين، وفيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لأن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة، فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم أي أنه مع كفره لا يحرّض غيره على إطعام المحتاجين، وفيه دليل قوي على عظم جرم حرمان المسكين لأنه عطفه على الكفر وجعله دليلاً عليه وقرينة له، ولأنه ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحق. وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان فلنخلع نصفها بهذا. وهذه الآيات ناطقة على أن المؤمنين يرحمون جميعاً، والكافرين لا يرحمون لأنه قسّم الخلق نصفين فجعل صنفاً منهم أهل اليمين ووصفهم بالإيمان فحسب بقوله {إِنّى ظَنَنتُ أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ} وصنفاً منهم أهل الشمال ووصفهم بالكفر بقوله {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم} وجاز أن الذي يعاقب من المؤمنين إنما يعاقب قبل أن يؤتى كتابه بيمينه {فَلَيْسَ لَهُ اليوم هاهنا حَمِيمٌ} قريب يرفع عنه ويحترق له قلبه {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} غسالة أهل النار، فعلين من الغسل، والنون زائدة وأريد به هنا ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم {لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون} الكافرون أصحاب الخطايا وخطئ الرجل إذا تعمد الذنب. {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ} من الأجسام والأرض والسماء. {وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} من الملائكة والأرواح فالحاصل أنه أقسم بجميع الأشياء {إِنَّهُ} أي إن القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل عليه السلام أي بقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} كما تدعون {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ} كما تقولون {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} وبالياء فيهما: مكي وشامي ويعقوب وسهل. وبتخفيف الذال: كوفي غير أبي بكر. والقلة في معنى العدم يقال: هذه أرض قلما تنبت أي لا تنبت أصلاً، والمعنى لا تؤمنون ولا تذكرون البتة {تَنزِيلٌ} هو تنزيل بياناً لأنه قول رسول نزل عليه {مّن رّبّ العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل} ولو ادعى علينا شيئاً لم نقله {لأخَذْنَا مِنْهُ باليمين} لقتلناه صبراً كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معالجة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول، وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته، وخص اليمين لأن القتّال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخد بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه، ومعنى لأخذنا منه باليمين لأخدنا بيمينه، وكذا {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} لقطعنا وتينه وهو نياط القلب إذا قطع مات صاحبه {فَمَا مِنكُم} الخطاب للناس أو للمسلمين {مّنْ أَحَدٍ} (من) زائدة {عَنْهُ} عن قتل محمد وجمع {حاجزين} وإن كان وصف {أَحَدٍ} لأنه في معنى الجماعة ومنه قوله تعالى: {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] {وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لِتَذْكِرَةٌ} لعظة {لّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين} به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به {وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لَحَقُّ اليقين} لعين اليقين ومحض اليقين {فَسَبِّحْ باسم رَبّكَ العظيم} فسبح الله بذكر اسمه العظيم وهو قوله سبحان الله. .سورة المعارج: .تفسير الآيات (1- 18): {سَأَلَ سَآئِلٌ} هو النضر بن الحرث قال: {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] أو هو النبي صلى الله عليه وسلم دعا بنزول العذاب عليهم. ولما ضمن سأل معنى دعا عدى تعديته كأنه قيل: دعا داع {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} من قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} [الدخان: 55]. و{سال} بغير همز: مدني وشامي وهو من السؤال أيضاً إلا أنه خفف بالتليين و{سَائِلٌ} مهموز إجماعاً {للكافرين} صفة ل {عَذَابِ} أي بعذاب واقع كائن للكافرين {لَيْسَ لَهُ} لذلك العذاب {دَافِعٌ} راد {مِّنَ الله} متصل بواقع أي واقع من عنده أو بدافع أي ليس له دافع من جهته تعالى إذا جاء وقته {ذِي المعارج} أي مصاعد السماء للملائكة جمع معرج وهو موضع العروج. ثم وصف المصاعد وبعد مداها في العلو والارتفاع فقال: {تَعْرُجُ} تصعد. وبالياء: علي {الملائكة والروح} أي جبريل عليه السلام خصه بالذكر بعد العموم لفضله وشرفه، أو خلق هم حفظة على الملائكة كما أن الملائكة حفظة علينا، أو أرواح المؤمنين عند الموت {إِلَيْهِ} إلى عرشه ومهبط أمره {فِى يَوْمٍ} من صلة تعرج {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} من سني الدنيا لو صعد فيه غير الملك، أو (من) صلة {وَاقِعٍ} أي يقع في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنيكم وهو يوم القيامة، فإما أن يكون استطالة له لشدته على الكفار، أو لأنه على الحقيقة كذلك فقد قيل فيه خمسون موطناً كل موطن ألف سنة، وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر. {فاصبر} متعلق ب {سَأَلَ سَائِلٌ} لأن استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يضجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بالصبر عليه {صَبْراً جَمِيلاً} بلا جزع ولا شكوى {إِنَّهُمْ} إن الكفار {يَرَوْنَهُ} أي العذاب أو يوم القيامة {بَعِيداً} مستحيلاً {وَنَرَاهُ قَرِيباً} كائناً لا محالة، فالمراد بالبعيد من الإمكان وبالقريب القريب منه. نصب {يَوْمَ تَكُونُ السماء} ب {قَرِيبًا} أي يمكن في ذلك اليوم أو هو بدل عن {فِى يَوْمٍ} فيمن علقه ب {وَاقِعٍ} {كالمهل} كدردي الزيت أو كالفضة المذابة في تلونها {وَتَكُونُ الجبال كالعهن} كالصوف المصبوغ ألواناً لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وطيرت في الجو اشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} لا يسأل قريب عن قريب لاشتغاله بنفسه. وعن البزي والبرجمي: بضم الياء أي ولا يسأل قريب عن قريب أي لا يطالب به ولا يؤخذ بذنبه. {يُبَصَّرُونَهُمْ} صفة أي حميماً مبصرين معرفين إياهم، أو مستأنف كأنه لما قال: {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} قيل: لعله لا يبصره. فقيل: يبصرونهم ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم. والواو ضمير الحميم الأول و(هم) ضمير الحميم الثاني أي يبصر الأحماء الأحماء فلا يخفون عليهم. وإنما جمع الضميران وهما للحميمين لأن فعيلاً يقع موقع الجمع {يَوَدُّ المجرم} يتمنى المشرك وهو مستأنف، أو حال من الضمير المرفوع، أو المنصوب من {يُبَصَّرُونَهُمْ} {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} وبالفتح: مدني وعلي على البناء للإضافة إلى غير متمكن {بِبَنِيهِ * وصاحبته} وزوجته {وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ} وعشيرته الأدنين {التى تُئْوِيهِ} تضمه انتماء إليها. وبغير همز: يزيد. {وَمَن في الأرض جَمِيعاً} من الناس {ثُمَّ يُنجِيهِ} الافتداء عطف على {يفتدى}. {كَلاَّ} ردع للمجرم عن الودادة وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب {إِنَّهَا} إن النار، ودل ذكر العذاب عليها، أو هو ضمير مبهم ترجم عنه الخبر أو ضمير القصة {لظى} علم للنار {نَزَّاعَةً} حفص والمفضل على الحال المؤكدة، أو على الاختصاص للتهويل. وغيرهما بالرفع خبر بعد خبر ل (إن) أو على (هي نزاعة) {للشوى} لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين، أو جمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعاً فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت {تَدْعُواْ} بأسمائهم يا كافر يا منافق إليّ إليّ، أو تهلك من قولهم دعاك الله أي أهلكك، أو لما كان مصيره إليها جعلت كأنها دعته {مَنْ أَدْبَرَ} عن الحق {وتولى} عن الطاعة {وَجَمَعَ} المال {فَأَوْعَى} فجعله في وعاء ولم يؤد حق الله منه. .تفسير الآيات (19- 44): {إِنَّ الإنسان} أريد به الجنس ليصح استثناء المصلين منه {خُلِقَ هَلُوعاً} عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفسيره ما بعده {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} والهلع: سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير. وسأل محمد بن عبد الله بن طاهر ثعلباً عن الهلع فقال: قد فسره الله تعالى ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس، وهذا طبعه وهو مأمور بمخالفة طبعه وموافقة شرعه. والشر: الضر والفقر. والخير: السعة والغنى أو المرض والصحة {إِلاَّ المصلين * الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ} أي صلواتهم الخمس {دَائِمُونَ} أي يحافظون عليها في مواقيتها. وعن ابن مسعود رضي الله عنه {والذين في أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ} يعني الزكاة لأنها مقدرة معلومة أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة {لَّلسَّائِلِ} الذي يسأل {والمحروم} الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنياً فيحرم {والذين يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ الدين} أي يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة {والذين هُم مّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} خائفون. واعترض بقوله {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} بالهمز: سوى أبي عمرو أي لا ينبغي لأحد وإن بالغ في الاجتهاد والطاعة أن يأمنه وينبغي أن يكون مترجحاً بين الخوف والرجاء. {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون * إِلاَّ على أزواجهم} نسائهم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} أي إمائهم {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} على ترك الحفظ {فَمَنِ ابتغى} طلب منكحاً {وَرَآءَ ذلك} أي غير الزوجات والمملوكات {فأولئك هُمُ العادون} المتجاوزون عن الحلال والحرام. وهذه الآية تدل على حرمة المتعة ووطء الذكران والبهائم والاستمناء بالكف {والذين هُمْ لأماناتهم} {لأمانتهم} مكي، وهي تتناول أمانات الشرع وأمانات العباد {وَعَهْدِهِمْ} أي عهودهم ويدخل فيها عهود الخلق والنذور والأيمان {راعون} حافظون غير خائنين ولا ناقضين. وقيل: الأمانات ما تدل عليه العقول والعهد ما أتى به الرسول. {وَالَّذِينَ هُمْ بشهاداتهم} {بشهادتهم} سهل. وبالألف: حفص وسهل ويعقوب. {قَائِمُونَ} يقيمونها عند الحكام بلا ميل إلى قريب وشريف وترجيح للقوي على الضعيف إظهاراً للصلابة في الدين ورغبة في إحياء حقوق المسلمين {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} كرر ذكر الصلاة لبيان أنها أهم، أو لأن إحداهما للفرائض والأخرى للنوافل. وقيل: الدوام عليها الاستكثار منها والمحافظة عليها أن لا تضيع عن مواقيتها، أو الدوام عليها أداؤها في أوقاتها والمحافظة عليها حفظ أركانها وواجباتها وسننها وآدابها {أولئك} أصحاب هذه الصفات {فِى جنات مُّكْرَمُونَ} هما خبران. {فَمَالِ} كتب مفصولاً اتباعاً لمصحف عثمان رضي الله عنه {الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ} نحوك معمول {مُهْطِعِينَ} مسرعين حال من {الذين كَفَرُواْ} {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال} عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله {عِزِينَ} حال أي فرقاً شتى جمع عزة وأصلها عزوة كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزى إليه الأخرى فهم مفترقون. كان المشركون يحتفّون حول النبي صلى الله عليه وسلم حلقاً حلقاً وفرقاً فرقاً يستمعون ويستهزئون بكلامه ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت {أَيَطْمَعُ كُلُّ امرئ مّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ} بضم الياء وفتح الخاء: سوى المفضل {جَنَّةَ نَعِيمٍ} كالمؤمنين {كَلاَّ} ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة {إِنَّا خلقناهم مّمَّا يَعْلَمُونَ} أي من النطفة المذرة ولذلك أبهم إشعاراً بأنه منصب يستحيا من ذكره، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم، ويقولون لندخلن الجنة قبلهم؟ أو معناه: إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد الجنة إلا بالإيمان فلم يطمع أن يدخلها من لا إيمان له {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق} مطالع الشمس {والمغارب} ومغاربها {إِنَّا لقادرون * على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مّنْهُمْ} على أن نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم وأطوع لله {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بعاجزين. {فَذَرْهُمْ} فدع المكذبين {يَخُوضُواْ} في باطلهم {وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ} فيه العذاب {يَوْمَ} بدل من {يَوْمَهُمُ} {يَخْرُجُونَ} بفتح الياء وضم الراء: سوى الأعشى {مّنَ الأجداث} القبور {سِرَاعاً} جمع سريع حال أي إلى الداعي {كَأَنَّهُمْ} حال {إلى نُصُبٍ} شامي وحفص وسهل {نُصُبٍ} المفضل. {نَصَبٌ} غيرهم وهو كل ما نصب وعبد من دون الله {يُوفِضُونَ} يسرعون {خاشعة} حال من ضمير {يُخْرِجُونَ} أي ذليلة {أبصارهم} يعني لا يرفعونها لذلتهم {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يغشاهم هوان {ذَلِكَ اليوم الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ} في الدنيا وهم يكذبون به.
|